د. محمد محفوظ : التتار الجُدد
.. وإرهاب الآخر
تاريخ النشر : 15 يوليو 2012
( تلك
الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواً فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين
)
سورة القصص ـ الآية 83
كانت سياسة نشر الرعب هى المنهج الذى
اتبعه التتار على مدى الحقبة الزمنية التى شهدت غزواتهم واحتلالهم لعدد كبير من
البلدان والشعوب . وذلك من خلال الإسراف فى القتل الذى يصل إلى حد الإبادة الوحشية
لمدن أو مناطق بكامل سكانها ؛ والحرق والتدمير لكل ما هو قائم فيها .
وكانت هذه الممارسات الدموية يتم
تداولها فى صورة حكايات وروايات ينشرها التتار من خلال عدد من المندسين فى البلدان
المجاورة ؛ لتدمير الروح المعنوية ودفع أكبر عدد من السكان إلى الفرار ؛ فيتحقق
الجزء الأكبر من الانتصار المستقبلى من خلال الاجتياح لمساحات واسعة من الارض بفضل
نشر الرعب والفزع ليس إلا .
ولعل المتابع على مدى العام ونصف
السابق ؛ لممارسات جماعة الإخوان المسلمين على الساحة المصرية ؛ سواء الميدانية أو
الإعلامية ؛ ستتولد لديه القناعة بان هذه الجماعة تعتنق ذات المنهج الذى يوظف
سياسة نشر الرعب لحصد المكاسب المادية والمعنوية فى الملعب السياسى المصرى .
ولقد بدأت سياسة نشر الرعب بجانبها
المعنوى مبكراً ؛ متواكبة مع الإعلان عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى 19
مارس 2011م ؛ من خلال تخويف المواطنين من المساس بالمادة الثانية من الدستور ؛
وتفزيعهم من التصويت برفض هذه التعديلات باعتبار ذلك كفر وخروج عن صحيح الدين .
ومنذ ذلك الحين ؛ بدأت الجماعة تنفصل
عن معظم صدامات وخلافات الثورة مع المجلس العسكرى ؛ وانتهجت أسلوب الترويع المعنوى
لتخويف المجتمع المصرى من الثوار ؛ باعتبارهم عملاء ودعاة فوضى . كما بدأت فى مباركة
العنف المفرط الذى انتهجه المجلس العسكرى ضد الثوار ؛ فيما بدأ المنتمون للجماعة
فى استخدام أسلوب الترويع المادى فى بعض المليونيات من خلال التعدى على القوى
الثورية المدنية والاحتكاك بمناصريها ؛ ونشر اللجان الشعبية الإخوانية لتطويق
التظاهرات لمنع انضمام غير المناصرين للتيار الإسلامى إليها .
وعقب حصول التيار الاسلامى على نسبة
تصل إلى 70% من مقاعد مجلس الشعب ومن بعده مجلس الشورى ؛ أخذ الترويع المعنوى يشتد
ويتجسد فى صورة لجان إلكترونية منظمة تقوم بغزو أى موقع على شبكة الإنترنت لترهيب
كل من ينتقد الانتهاكات التى ارتكبها التيار الإسلامى أثناء المنافسة الانتخابية
بمراحلها الخمسة ( 3 مراحل لمجلس الشعب ـ مرحلتين للشورى ) ؛ وكانت النغمة المكررة
التى يتردد صداها على كل المواقع الإلكترونية هى : موتوا بغيظكم ؛ لتأكيد روح
التشفى والتنكيل بالمهزوم والاستعلاء تجاه كل من هو منتقد أو مناهض للتيار
الإسلامى ؛ بالإضافة إلى الشتائم البذيئة الفاحشة والاتهامات بالكفر التى تكون من
نصيب أى تعليق يتعرض بالسلب للأغلبية البرلمانية .
ثم تطور الأمر إلى سيل عارم من
التصريحات التى تشير إلى وجود مؤامرة تستهدف خلق أزمات مفتعلة لإحراج البرلمان
وتشويه سمعته ـ مثل أزمة السولار والبنزين والبوتاجاز ـ رغم أن هذه الأزمات ذاتها
كانت تحدث فى زمن مبارك ؛ وبالطبع لم يكن يتم افتعالها آنذاك لإحراج حكومته وتشويه
سمعتها !!!
ولقد ارتفعت وتيرة الترويع المعنوى مع
انطلاق انتخابات الرئاسة ؛ وخصوصاً فى جولة الإعادة ؛ حيث بدأت اللجان الإلكترونية
فى ملاحقة أى مؤيد للفريق / أحمد شفيق ؛ وفى تخصيص مواقع بأكملها للتعريض
بالمؤيدين له باعتبارهم فلول وعملاء ومرتدين عن الثورة ومروجين لعودة النظام
السابق ؛ وللتعريض بالمحكمة الدستورية العليا ورئيسها باعتباره رئيس لجنة انتخابات
الرئاسة المعين من مبارك والمكلف بحتمية تزوير الانتخابات لصالح الفريق شفيق .
ثم أخذ الترويع المعنوى يتصاعد ضد
المحكمة الدستورية العليا بمناسبة حكمها فى 14 يونيو 2012 م بحل مجلس الشعب ؛ إلى
أن ارتفعت موجة الترويع لذروتها مع فوز الدكتور/ محمد مرسى بمقعد الرئاسة ؛ من
خلال نشر الإشاعات عن مؤامرة تستهدف إظهار الرئيس بمظهر العاجز .
ثم كانت الطامة الكبرى بإعلان الرئيس
مرسى عودة مجلس الشعب المنحل متحدياً حكم المحكمة الدستورية العليا ؛ حيث كانت هذه
هى اللحظة الفارقة التى بدأ فيها الترويع المعنوى يترافق بشدة مع الترويع المادى
المباشر والمعلن ضد المؤسسات أو الرموز المعارضة لقرار الرئيس بعودة مجلس الشعب .
فكانت التظاهرات الفجة والاعتداءات اللفظية والجسدية السافرة داخل وأمام مقر مجلس
الدولة الصادرة من المنتمين للإخوان والتيار الاسلامى ؛ ضد كل من : النائب السابق
/ حمدى الفخرانى وضربه وبهدلته وسبه وتقطيع ملابسه ؛ والاعتداء على النائب السابق
/ إيهاب رمزى ؛ والمحامى / كمال الإسلامبولى ؛ والتحرش بالنائب السابق / أبو العز
الحريرى ؛ والناشط الحقوقى الاستاذ / نجاد البرعى .
وكما هو واضح ؛ فإن الاعتماد على سياسة
نشر الرعب والفزع والترويع ـ إما معنوياً أو مادياً وإما ميدانياً أو إعلامياً ـ يمثل
المنهج المألوف لدى جماعة الإخوان لإرهاب الخصوم وترويع المجتمع من أجل إخلاء
الطريق الموصل إلى قصور السلطة .
وبينما تمتلك كل نظم الحكم الاستبدادية
خططاً سرية لنشر الفزع والترويع من أجل الحفاظ على استمرار النظام أو مواجهة أى
خطر يهدد بزواله . فإن الجماعات والحركات الاستبدادية تمتلك هى الأخرى خططاً سرية
مشابهة ولكن لتمكينها من إسقاط النظام القائم وضمان انفرادها بمقاعد السلطة الشاغرة
بعد سقوطه .
ولقد كان اللاحزب اللاوطنى
اللاديموقراطى المنحل باعتباره جماعة مصالح أكثر منه تنظيماً سياسياً ؛ يفتقر إلى الجماهير
المنحازة لعقيدة سياسية بما يجعلها تنطلق بعفوية للدفاع عن أى خطر يتهدد النظام
الذى يمثلها ؛ لذلك كان الحزب يعتمد فى سياسته لنشر الرعب فى صورته المادية على
قوات الأمن المركزى ؛ بينما كان يعتمد على جهاز أمن الدولة لنشر الرعب فى صورته
المعنوية . ثم تطور الأمر على المستوى المادى إلى استخدام مجموعات البلطجية
والمسجلين جنائياً ـ خصوصاً ـ فى المنافسات الانتخابية ؛ وترافق مع ذلك خلال العشر
سنوات الأخيرة أن بدأ الاهتمام ببناء الكوادر التنظيمية والتأكيد على التثقيف
السياسى والعمل الميدانى لتوفير كوادر يمكن الاعتماد عليها فى مجال الترويع
المعنوى . ولكن كانت الثورة أسبق من خطوات هذا الحزب على طريق تجميل وجهه القبيح
وسد ثغراته التنظيمية والفكرية والميدانية .
أما جماعة الإخوان فهى تمتلك الكوادر
المنحازة فكرياً والجماهير المتعاطفة دينياً ؛ ولذلك فهى تستخدم هذا الرصيد البشرى
وتوجهه ولكن باستخدام الأكاذيب والإشاعات الممنهجة لتحقيق سياستها فى نشر الرعب
والترويع .
ولعل المتابع لكم الاكاذيب التى تم
ترويجها بشأن المحكمة الدستورية العليا وعدم حجية حكمها بحل مجلس الشعب ؛
والأكاذيب الخاصة بالإعلان الدستورى المكمل وعدوانه على صلاحيات الرئيس ؛ سيدرك
بأن طريق السلطة المفروش بالأكاذيب لا يمكن أبداً أن يكون هو الطريق إلى الله ؛ وإنما
هو بلا مواربة الطريق إلى الشيطان .
والمؤسف أن الكثيرين ممن يبكون على
صلاحيات الرئيس لم يقرأوا الإعلان الدستورى المكمل ؛ وفى تقديرى فإن هذا الإعلان
هو الحسنة الوحيدة التى سيذكرها التاريخ للمجلس العسكرى باعتبارها النقطة البيضاء
الوحيدة فى سجله الأسود لإدارة الفترة الانتقالية عقب الثورة .
والواقع أن أكذوبة أن الرئيس بلا صلاحيات
؛ هى من نوعية الكذب الفاحش ؛ لأن الرئيس لديه كل الصلاحيات المقررة لرئيس
الجمهورية ماعدا التشريع والموازنة وشئون القوات المسلحة وإعلان الحرب ؛ وهى
بالطبع صلاحيات معظمها لا يدخل أصلاً ضمن
صلاحيات الرئيس فى أى نظام ديموقراطى ؛ وبعضها الآخر من الأفضل إبعاد يد الرئيس
عنها طالما لم يتم وضع دستور دائم بعد ؛ بحيث لا يتم تركيز كل السلطات فى يد شخص
واحد فيتحول إلى ديكتاتور جديد . لهذا من الطبيعى والأسلم أن لا تكون السلطة
التشريعية أو الموازنة فى يد الرئيس ؛ والتحدث عن إعادة مجلس الشعب الباطل ليمارس
تلك السلطات هو أمر يشير بوضوح إلى أن الغرض هو ضمان هيمنة وتكويش جماعة الإخوان
على كل السلطات فى الدولة ؛ لأنه من غير المتصور أن الرئيس الاخوانى كان سيكون
حريصاً على عودة المجلس المنحل لو كانت الأكثرية فيه لغير الإخوان ؛ بل ربما لو ظل
قائماً لقرر هو حله بنفسه .
أما شئون القوات المسلحة وإعلان الحرب
؛ فمن الأسلم لمصر والمنطقة عدم تسليم أمور الدفاع عن الوطن إلى الرئيس بمفرده فى
ظل عدم وجود دستور دائم ينظم العلاقة بين السلطات ويوضح أساليب الرقابة والمحاسبة
؛ وفى ظل عدم وجود خطوط فاصلة بين جماعة الإخوان ومؤسسة الرئاسة ؛ بما يؤدى إلى
اختراق المؤسسة العسكرية وتوظيفها لخدمة الجماعة بتنظيمها الدولى الذى تتعدى
مصالحه الإقليمية مصالح الدولة المصرية ؛ وبعقيدتها الفكرية التى تنظر إلى معاهدة
السلام مع إسرائيل من منظور دينى متشدد .
وبالمقابل ؛ فإنه رغم أن سلطة التشريع
بموجب الإعلان الدستورى المكمل سيختص بها المجلس العسكرى ؛ إلا أن الحقيقة المسكوت
عنها عمداً هى أن ذلك لا يمنع الرئيس من ممارسة الصلاحية المخولة له فى التصديق
على القوانين والاعتراض عليها ؛ بما يعنى أن المجلس العسكرى لن يستطيع تمرير أى
قانون إلا بعد تصديق الرئيس عليه لإصداره ؛ كما أن الرئيس يمتلك الحق فى الاعتراض
على أى قانون ويرفض التصديق عليه ؛ وعندئذ لن يستطيع المجلس العسكرى إصداره مطلقاً
لأن الإعلان الدستورى يخلو من أى وسيلة للالتفاف حول اعتراض الرئيس . إذن الرئيس
يمتلك صلاحيات كبيرة وناجزة ونافذة فى المجال التشريعى ؛ ولكنه الكذب الفاحش والغش
الصريح .
وإذا قمنا بتحليل كل الأكاذيب الأخرى
المتعلقة بالمحكمة الدستورية وحل مجلس الشعب ؛ فإننا سنجد أنها بنفس المستوى من
الفحش الذى يتعامل للأسف مع الجماهير على أنهم مجموعة من المعتوهين .
ولعل أكبر الاكاذيب استفزازاً هى
المتعلقة بحق الرئيس فى استفتاء الشعب على إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وعدم حل
مجلس الشعب ؛ وحقه فى وضع إعلان دستورى جديد . وذلك رغم أن الإعلان الدستورى يخلو
تماماً من أى نص يتيح للرئيس استفتاء الشعب إلا على أمرين فقط لا ثالث لها ؛ أولهما
هو : مد حالة الطوارئ لأكثر من 6 شهور ؛ وثانيهما : دعوة الناخبين للاستفتاء على
مشروع الدستور الجديد . ( أنظر المادتين رقم 59 ورقم 60 من الإعلان الدستورى ) .
أيضاً فإن المنطق البسيط يقرر بأن الرئيس
باعتباره لا يمتلك سلطة تشريع القوانين ؛ فمن المنطقى إذن أن لا يمتلك سلطة إصدار
ما هو أعلى من القوانين وهو الدستور ؛ وبالتالى كيف يتم التسويق لأكذوبة حق الرئيس
فى إلغاء الإعلان الدستورى أو حقه فى وضع إعلان دستورى جديد !!!
نحن إذن أمام خطة منهجية لترويج مجموعة
من الأكاذيب الفاحشة التى تتناقض تماماً مع الواقع ؛ والهدف منها هو إرهاب
الجماهير معنوياً من خلال توليد الانطباع لديهم بأن ثمة مؤامرة تستهدف رئيسهم
وبرلمانهم المنتخبين .
والواقع أن مسالة وجود مؤامرة هو أمر
دائماً ليس بمستبعد ؛ ولكن إذا كانت الأدلة على وجود مؤامرة مجرد مجموعة من الأكاذيب
الفاحشة ؛ فإن ذلك يثبت بأن مروج الأكاذيب هو ذاته ضالع فى مؤامرة موازية .
ولعل تكتيكات الكذب الفاحش لخدمة
إستراتيجية سامية هو أمر تعرفه كل كتب التاريخ ونراه بأعيننا فى الواقع ؛ وما
ينطبق على جماعة الإخوان فى هذا الشأن يمتد إلى التيار السلفى ؛ ويمثل إصرار الشيخ
/ حازم صلاح أبو إسماعيل على نفى حقيقة تجنس والدته بالجنسية الأمريكية ؛ نموذجاً
يمكن القياس عليه لفقه الضرورات التى تبيح المحظورات ؛ فيتم تحليل الكذب وعدم
تحريم التمادى فيه من أجل تمكين الداعين إلى حكم الشريعة من كراسى السلطة وحكم
المجتمعات .
ولكن المأساة لا تتوقف عند حد الأضرار
المترتبة على استخدام تكتيكات الترويع المعنوى أو المادى ؛ بل تصل المأساة إلى
ذروتها بوصول المؤمنين بهذه التكتيكات إلى السلطة ؛ لأن الترويع والإرهاب عندئذ
يخلع زى الجماعة أو التيار ليرتدى عباءة الدولة .
موجات التتار لم تنقطع عن مصر وشعبها ؛
وكلما تم وأد موجة تبعتها موجة أخرى.
التتار الجدد رحلوا عن حكم مصر بالثورة
...
التتار الجدد جاءوا إلى حكم مصر
بالثورة ...
فهل موجات التتار هى قدر مصر وشعبها ..............
؟؟؟؟؟؟؟
*****
دكتور / محمد
محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق