مجلس تكتيف الثورة (
العسكر والحرامية )
نشر بتاريخ : 26 يوليو 2011
بقلم دكتور/ محمد
محفوظ
( بعض الأمور حين
نرتكبها لا نستطيع محوها )
[ قول مأثور ]
ثنائية العسكر والحرامية ؛ التى تعطى
غالباً معنى التضاد ؛ صارت في مجتمعاتنا تعطى معنى التواطؤ أو التحالف أو تبديل
الأدوار .
فبينما يكون غالباً - في معظم الدول
الديمقراطية - العسكر ضد الحرامية ؛ إلا أن عسكرنا كانوا - غالباً - على مدى
التاريخ ؛ أدوات أو أعوان أو شركاء أو حلفاء للحرامية .
والعجيب في الأمر ؛ أن لفظ الحرامية
هنا يتمدد ليضم في سياقه الواسع كل الحرامية ؛ من سارق السلطة ( الديكتاتور ) ؛ إلى سارق الجمل (
المليارات ) ؛ أو سارق الأرنب ( الملايين ) ؛ إلى البلطجى أو المسجل خطر أو سارق
الغسيل .
وبينما يعمل العسكر لدى الحرامية
الكبار ( حرامية السلطة والجمال والأرانب ) ويأتمرون بأوامرهم ؛ فأنهم يسيطرون –
غالباً - على الحرامية الصغار ويستثمروا قدراتهم الإجرامية .
وإذا ألقينا بنظرة - ليست بعيدة - إلى
الوراء ؛ أثناء انتخابات مجلس الشعب عام 2005 م ؛ سنرى البلطجية يواجهون المواطنين
أمام اللجان الانتخابية بالسيوف والسنج والجنازير ؛ بينما يقف في ظهورهم ضباط
وجنود الأمن المركزى ( الجناح العسكرى لوزارة الداخلية ) ؛ وبالطبع لن تعطى ظهرك
إلا لمن يحميك أو يساندك .
وإذا ألقينا نظرة قريبة إلى الوراء
أثناء موقعة الجمل ؛ سنرى قافلة الجمال والخيول يعتليها البلطجية تخترق ميدان
التحرير تحت سمع وبصر ولامبالاة ضباط وجنود القوات المسلحة .
ثم إذا ألقينا نظرة مريرة إلى الحاضر ؛
سنرى ميدان العباسية يوم 23 يوليو 2011م ؛ تغلقه القوات المسلحة في وجه المسيرات
السلمية ؛ ولا تغلقه في وجه حشود البلطجية الذين خرجوا من الشوارع الجانبية ؛
بينما وقف يحمى ظهورهم جنود الأمن المركزى ووقف بينهم بعض جنود الشرطة العسكرية (
أنظر الصورة المصاحبة للمقال ) ؛ وعندما صدر القرار بفتح منفذ ليتراجع منه
المتظاهرون ؛ إذا بالأمن المركزى ينسحب ومعه هؤلاء البلطجية فى لمح البصر !!!!
( أنظر رابط الفيديو الذي يتضمن شهادة
الأستاذ خالد البلشى رئيس تحرير البديل في برنامج صباح دريم بتاريخ 24 يوليو 2011م
عن العلاقة بين البلطجية والأمن المركزى ) .
نحن إذن أمام مشهد متكرر بذات الصفات
والعلاقات مهما اختلف الأشخاص وتغيرت الأزمنة . ولكن تكرار هذا المشهد - عقب ثورة
25 يناير - وبالذات في يوم 23 يوليو الموافق للذكرى الـ 59 لثورة 1952 غير المجيدة
؛ يعطينا المبرر لكى نتوجه بخالص الشكر للمجلس العسكرى ؛ لأنه وضع لنا سطر النهاية
فى مسيرة حكم العسكر لمصر ؛ وجاء يوم ذكرى الثورة غير المجيدة في 23 يوليو 2011م ؛
ليؤكد لكل مصرى بأنه لابد من قلب هذه الصفحة بكل حسم وفتح صفحة جديدة لا يكتبها
العسكر ؛ لأن مكانهم ليس فى ساحة السياسة بل فى المعسكرات والثكنات وجبهات القتال
؛ ويكفى 59 عاماً ضاعت من عمر مصر وعطلت تطورها الديمقراطى ونهبت ثروتها .
والواقع أن الإدارة السياسة البائسة
للمجلس العسكرى للفترة الانتقالية عقب ثورة 25 يناير ؛ كانت تؤكد فى كل حلقاتها
بأن العسكر هم آخر من يتم اللجوء إليهم لقيادة دولة عقب ثورة شعبية عارمة .
وسيذكر التاريخ بأن حكم مصر عقب خلع
مبارك ؛ يمثل نموذج للإدارة السياسية البائسة الفاشلة التى لم تستطع أن تتناسب مع
جلال الثورة وتجلياتها ؛ مما أدى إلى ( تكتيف ) الثورة ولجمها ؛ وتعطيل قفزاتها
التى كان يمكن لها تحقيقها ؛ لو تولى أمر الحكم فى مصر الثوار أنفسهم .
ويمكن تشبيه إدارة المجلس العسكرى لمصر
ما بعد الثورة ؛ بطريق واسع مستقيم على جانبيه أزقة ضيقة ؛ وبينما يسير الثوار
بمصر فى الطريق الواسع المستقيم ؛ إذا بالمجلس العسكرى يسحبهم إلى الأزقة الضيقة ؛
زقاق الاستفتاء على التعديلات الدستورية ؛ زقاق الإعلان الدستورى ؛ زقاق
الانتخابات أولاً ؛ زقاق استمرار بقاء نسبة 50% عمال وفلاحين ؛ زقاق استمرار مجلس
الشورى ؛ زقاق نسبة 50 % لنظام الانتخاب الفردى ؛ زقاق المحاكمات البطيئة للقصاص
للشهداء ولاسترداد الأموال المنهوبة . وبالتالى يجاهد الثوار لسحب مصر من الأزقة
الضيقة ليعودوا بها للطريق الواسع المستقيم ؛ ولكنهم يخسروا خلال ذلك الجهد والعزم
وربما المناصرين من الشعب.
.. ذلك هو ما يحدث بكل بساطة ؛ وإن لم
يكن يحدث بهدف التواطؤ أو التآمر ؛ فإنه يحدث لانعدام القدرة على الإدارة السياسية
الرشيدة .
ولعل مراجعة الأداء ( غير السياسى )
المتكرر من اللواء حسن الروينى قائد المنطقة المركزية العسكرية وعضو المجلس الأعلى
للقوات المسلحة ؛ ومتابعة مداخلاته التليفونية المتتالية في اليوم الواحد بمعظم
برامج التوك شو ؛ ستوضح لنا بأن هناك هاجس يحكم علاقة المجلس العسكرى بوسائل
الإعلام ؛ من منطلق أنه يدير الفترة الانتقالية بمنطق المعركة الحربية وليس الأزمة
السياسية .
وتفسير هذا ليس من عندى ؛ ولكنه مستخلص
من واقع ما قاله اللواء الروينى نفسه في برنامج صباح دريم بتاريخ 23 يوليو 2011م ؛
عندما صرح بدون مواربة وبألفاظ محددة بأنه كان يطلق شائعات في ميدان التحرير
لامتصاص غضب الثوار قبل تنحى مبارك ؛ فسيادة اللواء يستخدم أسلوب الحرب النفسية
الذي تعتمده الجيوش في وقت الحروب لتدمير معنويات الأعداء أو رفع معنويات الجبهة
الداخلية ؛ وبالتالى فهو يعتبر ميدان التحرير ساحة معركة وليس ساحة ثورة ؛ ومن ثم
يجوز فيه استخدام أساليب الحرب النفسية !!!!
كما أن سيادته شارك بمداخلة في برنامج
مساء السبت بقناة ( أون تى في ) بتاريخ 16 يوليو 2011م ؛ ليعبِّر فيها عن انتقاده
واستيائه لمطالبة أحد الضيوف بتطهير القضاء في برنامج ( مال مصر ) ؛ والغريب في
الأمر أن يتم إجراء مداخلة للتعليق على رأى تم التصريح به في برنامج آخر ؛ وكأن
الأمر جلل لا يحتمل التأخير أو الانتظار . ولكنه أسلوب الإدارة الحربية التى
تتعامل بمنطق سد كل الثغرات أمام ( العدو ) وليس ( الشريك ) في الوطن . كما أنه
أسلوب يقفز فوق مبدأ سياسى ديمقراطى هام وهو ( مبدأ الفصل بين السلطات ) ؛ فالسلطة
القضائية لها رئيسها الذى يمثلها وهو رئيس المجلس الأعلى للقضاء ؛ ومن ثم فهو
الأولى بشئونها ؛ ولا يحق للمجلس العسكرى التحدث نيابة عن سلطة أخرى مستقلة .
ولكن الأداء غير السياسى تحول الى
كارثة سياسة ؛ عندما صدر البيان رقم 69 للمجلس العسكرى ليتهم فيه حركة 6 إبريل
بالسعى للوقيعة بين الجيش والشعب ؛ ثم يأتى اللواء الروينى ليفصل تلك الاتهامات
بإدعاءات حول التدريب فى صربيا على إسقاط أعمدة الدولة ؛ رغم أن أصغر ناشط سياسى
في مصر يعلم بأن كافة ما يتحدث عنه سيادة اللواء منشور بصورة علنية في كتاب :
الكفاح السلمى ( 50 نقطة حاسمة - النهج الاستراتيجي للتكتيك اليومى ) ؛ وهذا
الكتاب صادر عن مركز تطبيق الاستراتيجيات وعمل اللاعنف - صربيا - بلغراد عام 2006م
؛ وقام بتأليفه مجموعة من قيادات شباب الثورة التى أسقطت نظام ميلوسوفيتش .
وقد أعطى هذا الأداء - غير السياسى -
الانطباع بأن قائمة الاتهامات التى ساقها السيد اللواء الروينى مستقاة من تقارير
جهاز أمن الدولة المنحل ؛ الذي كان يحمى نظام مبارك ويلفق الاتهامات لكل معارضيه
لتشويه سمعتهم ؛ وبالطبع كان من بينهم حركة 6 إبريل .
نحن إذن أمام أداء غير سياسى بامتياز ؛
غير مستغرب من جماعة من العسكريين . ولكن ؛ كيف يمكن أن نصل بمصر إلى بر الأمان ؛
ونقدم رسالة للمجلس العسكرى مفادها : إذا كنت مصراً على الاستمرار فى إدارة الفترة
الانتقالية فيجب أن تديرها بأدوات السياسة وليس أدوات العسكر .
وفى تقديرى ؛ فإن ذلك لن يكون ممكناً
إلا من خلال هاتين الخطوتين :
1- تسليم زمام قيادة الفترة الانتقالية
لمجلس رئاسى مدنى ؛ ولكن نظراً لأنه من الواضح أن المجلس العسكرى لا يحبذ ذلك ؛
فإنه يصبح من الضرورى الوصول إلى حل وسط ؛ يتمثل في تكوين مجلس رئاسى مختلط من
أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ ويضاف إليهم عدد مساوى من رؤساء الأحزاب
القائمة ورؤساء الأحزاب تحت التأسيس ورؤساء القوى السياسية الأخرى . ونظراً لأن
عدد رؤساء تلك الأحزاب والقوى السياسية مجتمعة يزيد عن عدد أعضاء المجلس العسكرى ؛
فإنه ينبغى دوران العضوية في المجلس شهرياً بما يجعلها تدور على كل الأحزاب والقوى
. ويتم التصويت في هذا المجلس على كل القرارات ؛ وفى حال تساوى الأصوات بين
الأعضاء العسكريين والأعضاء المدنيين ؛ يتم تغليب رأى المدنيين في القضايا
السياسية , بينما يتم تغليب رأى العسكريين في المسائل العسكرية .
2- تغيير القيادات العسكرية التى تورطت
في ممارسات غير سياسية وتصريحات إعلامية غير مسئولة ؛ كانت هى السبب الحقيقى في
الإساءة للثوار والإساءة للمجلس العسكرى ؛ وتعميق الفجوة بين المجلس العسكرى
والثوار ؛ وبين المجلس العسكرى والثورة .
... وبالتالى ؛ مازالت هذه الثورة في
حاجة ماسة إلى كيان سياسى يمثلها ؛ ويشارك في إدارة الفترة الانتقالية ؛ لأن
انفراد العسكريين بالقرار يؤدى إلى خلق فراغ سياسى نتيجة تعاملهم مع الأمور بوجهة
نظر عسكرية غير سياسية ؛ تقود إلى ترتيب الأولويات بما يتناقض في الغالب مع
أولويات الثورة .
ولهذا ؛ على العسكر في مصر أن يعلموا
بأن الفرصة مازالت متاحة أمامهم لتصويب كل الأخطاء الفادحة التى ارتكبوها - عن عدم
خبرة سياسية أو عن عمد - في حق الثورة ؛ ويعلموا أن تكتيف الثورة خطيئة لن يغفرها
التاريخ لو لم يتم التوبة النصوح عنها .
وعلى الطبقة السياسية في مصر أن لا
تستسلم لانفراد المجلس العسكرى بالسلطة ؛ لأن الأحداث التى تتوالى تثبت بأن
الاستسلام لهذا الانفراد يمكن أن يعيد إنتاج النظام السابق .
وعلى كل قوى الثورة أن تواصل الإصرار
على مطالبها ولا تأبه باتهامات العمالة والتخوين ؛ لأن الثورة اندلعت لتنتصر وليس
لكى تتجمد مطالبها في ثلاجات المماطلة والتسويف .
.. دروس الثورة في حاجة لمن يفهمها
ويطبقها على الأرض ؛ وإلا فان الغباء أو التغابي ؛ سيقودنا إلى ارتكاب خطايا ؛ لن
نسامح عليها أنفسنا ؛ ومن ثم لن نستطيع محوها من ذاكرتنا أو من ذاكرة التاريخ .
*****
ملحوظة :
روابط على موقع اليوتيوب لتصريحات اللواء حسن الروينى وشهادة الأستاذ خالد
البلشي :
- اللواء / حسن الروينى يصرح بأنه كان يبث إشاعات كاذبة في الميدان قبل
سقوط الرئيس المخلوع ويقول بالنص : ( أنا عارف إزاى أهدى الميدان وإزاى أهيج
الميدان ) !!!!
http://www.youtube.com/watch?v=O4zDuW9vquk&feature=player_embedded
- الأستاذ / خالد البلشى رئيس تحرير جريدة البديل الإلكترونية يروى كشاهد
عيان ما حدث فى العباسية ( بدءاً من الدقيقة 3 - والدقيقة 35 ‚ 5 ثانية بالفيديو )
.
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=lNQaT_STjmg
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق