د. محمد محفوظ
.. يكتب : مسلسل الاغتيالات والتفجيرات بدأ .. فكيف نواجهه ؟
تاريخ النشر : 7 سبتمبر 2013
تأتى محاولة اغتيال وزير الداخلية صباح يوم 5 سبتمبر 2013 ؛ كحلقة فى مسلسل
من العنف الذى سيتتابع ؛ والذى ينبغى على مصر أن تواجهه منذ الآن وعلى مدى السنوات
القادمة . فجماعة الإخوان المسلمين وحلفاءها من تيار الإسلام السياسى لن يقبلوا بأن
يخرجوا من المشهد السياسى بهدوء ؛ بل سيسفكوا أنهاراً من الدماء ويخربوا الآلاف من
المنشآت العامة والخاصة ؛ من خلال الأساليب التقليدية المتبعة فى الأعمال
الارهابية ؛ سواء بإطلاق النار من الأسلحة
النارية ؛ أو من خلال الأعمال التفجيرية باستخدام العبوات المتفجرة أو السيارات
المفخخة أو الأفراد الانتحاريين .
ورغم أن أسلوب السيارات المفخخة يعتبر أشد الأساليب الإرهابية تدميراً ؛
نظراً لإمكانية تعبئة السيارة بكمية كبيرة من المواد المتفجرة ؛ تزيد عن الكمية
المفترض تعبئتها فى أى عبوة . إلا أن الأسلوب الأكثر خطورة هو أسلوب التفجير
الانتحارى من خلال الأشخاص المزودين بأحزمة ناسفة ؛ لأنه رغم محدودية الانفجار
المترتب على العبوة المتفجرة فى الحزام الناسف لصغر حجمها ؛ إلا أن إمكانية اندساس
الانتحارى بين مجموعات كبيرة من الأفراد تؤدى إلى زيادة عدد الخسائر البشرية ؛ كما
أن القدرة الأمنية على مواجهة الأفراد الانتحاريين تمثل تحدياً كبيراً أمام أى
جهاز أمنى .
وتأتى عملية اغتيال وزير الداخلية
لتوضح بأن الحكومة المصرية وعلى رأسها وزارة الداخلية لا تتعامل مع خطر الارهاب
بالأسلوب الذى يتناسب مع الحجم الحقيقى لهذا الخطر . فثمة قصور واضح فى خطة تأمين خط
سير وزير الداخلية يصل إلى درجة الإهمال الجسيم . ولذلك لابد من أساليب غير
تقليدية تحكم خطوط سير تحركات الوزراء جغرافياً وزمنياً ؛ وأساليب غير تقليدية لتحديد
أماكن إقامتهم خلال تلك الفترة الزمنية الحرجة ؛ بأن يتم توفير استراحات داخل
الوزارات أو فى أماكن أخرى غير معلومة ؛ يقوم من داخلها الوزراء بإدارة الأعمال
الحكومية ؛ بما يقلص إلى حد كبير من تحركهم فى الطريق العام . وإذا كان لابد من
التحرك لموقع ما أو لحضور اجتماع ما ؛ فينبغى أن يتم عقد الاجتماعات فى مواقع
محمية بدوائر أمنية واسعة ؛ ويتم الانتقال لتلك المواقع بطائرات الهليكوبتر أو
بسيارات van يتم تمويهها بملصقات لشركات أو مصانع أو محلات ؛ بما يقلل من فرص
رصد تلك التحركات .
أيضاً لابد من الاعتماد بصورة أساسية
على نشر كاميرات المراقبة حول المنشأت الهامة والحيوية ؛ والطرق الرئيسية ؛
والمناطق السياحية والأثرية والتجارية ؛ بل وتركيب كاميرات مراقبة على سيارات
الشخصيات الهامة وعلى سيارات طواقم الحراسة المرافقة لهم .
بالإضافة إلى ضرورة الاهتمام الجاد
والفورى بضرورة إصدار قانون لمكافحة الإرهاب لتوفير أداة قانونية تتيح مواجهة
العمليات الارهابية بصورة استباقية ؛ لأنه
لم يعد بالإمكان تحقيق ذلك عقب حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 يونية 2013 الذى
قضت فيه المحكمة بإلغاء سلطة الأجهزة الأمنية أثناء إعلان حالة الطوارئ فى
الاعتقال مطلقاً ؛ أو فى القبض والتفتيش دون التقيد بضوابط قانون الإجراءات
الجنائية . وبالتالى فإن القدرة على ضبط أكبر عدد من العناصر المنتمية للتيارات
الارهابية بموجب صلاحيات يوفرها قانون لمكافحة الإرهاب ؛ هو أمر لازم لحرمان هذه التيارات
من كوادرها البشرية النشطة ؛ وتجفيف منابع تمويلها وفضح الجهات الراعية لها .
والواقع أن وجود قانون لمكافحة الإرهاب
هو أمر يوفر قدرة عالية على التصدى للمجموعات الإرهابية بوسائل استباقية تتيح جمع
المعلومات دون التقيد بالضوابط المقررة فى الأوضاع الطبيعية ؛ ولكن بشرط تكامل هذ
القانون مع عدد من التجهيزات التكنولجية المساعدة والأساليب الأمنية الموسعة فى
الانتشار والمرورات الدورية ؛ والخطط غير التقليدية فى حراسة المنشآت الحيوية
والشخصيات الهامة .
ولقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية
من خلال قانون باتريوت الذى أصدرته عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 ؛ كما تمكنت عدد كبير
من الدول الغربية من خلال إصدارها قوانين مماثلة لمكافحة الإرهاب ؛ تمكنت من تعزيز
إجراءاتها الأمنية المتقدمة والناجزة ؛ الأمر الذى أتاح لآجهزة الأمن القدرة على التعامل
بأساليب استباقية تتيح ضبط الجرائم الإرهابية قبل وقوعها ؛ من خلال ضبط العناصر
المنضوية ضمن تلك التنظيمات فى مرحلة التخطيط وقبل المبادرة بالتنفيذ . والواقع أن
نجاحات أجهزة الأمن فى تلك الدول فى إجهاض مخططات إرهابية كارثية عقب أحداث 11
سبتمبر ؛ تؤكد بأنه ينبغى دراسة أساليب الأجهزة الأمنية بتلك الدول بقدر كبير من
الجدية للاستفادة القصوى من تلك التجارب .
إذن لمواجهة موجة شرسة من التفحيرات
بالعبوات الناسفة أو السيارات الملغومة أو الأفراد الانتحاريين ؛ فإنه ينبغى تنفيذ
الأولويات الأتية :
ـ تجهيزات تكنولجية على رأسها نشر شبكة
متكاملة للكاميرات لمراقبة المنشآت الحيوية والشخصيات الهامة والمناطق التجارية
والسياحية والشوارع الرئيسية .
ـ إجراءات أمنية غير تقليدية تحقق
الانتشار والتواجد الأمنى فى الشوارع ؛ وتموه تحركات الشخصيات الهامة فى الطريق
العام ؛ أو تقلص هذه التحركات إلى أقصى مدى ؛ من خلال تخصيص مقرات مؤقتة تجمع بين
مقر العمل ومحل الإقامة .
ـ إصدار قانون لمكافحة الارهاب لتمكين
أجهزة الأمن من تنفيذ إجراءات استباقية لتجفيف منابع التمويل والرعاية للأنشطة الإرهابية
؛ وضبط أكبر عدد من الكوادر البشرية المتطرفة النشطة .
ـ التوعية المستمرة للمواطنين بالاتصال
بشرطة النجدة على رقم 122 أو الحماية المدنية ( المطافى ) على رقم 180 ؛ عند
الاشتباه فى أى سيارة أو عبوة مجهولة أو أى نشاط إرهابى .
.. ولكن من المهم الإشارة إلى أن
المواجهة الجادة للتنظيمات الارهابية بأساليب أمنية وأدوات قانونية حاسمة وناجزة ؛
هو أمر لا يعنى التحلل من ضوابط حقوق الإنسان ؛ فأى مواجهة راهنة أو مستقبلية مع
التنظيمات الإرهابية ينبغى أن تتم وفقاً لمعايير تلتزم بحقوق الإنسان وسيادة
القانون ؛ بحيث لا تحكم تلك المواجهة أى ممارسات أو إجراءات خارجة عن القانون ؛ غالباً
ما تكون نتيجتها الحتمية هى تفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين ؛ نتيجة خلق خصومة
ثأرية مزمنة بين جهاز الأمن وأى مجموعات يتم اتهامها بارتكاب أو دعم جرائم إرهابية
.
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق