د.
محمد محفوظ : الشيفونية الثورية وتمهيد الطريق لأعداء الديموقراطية
تاريخ النشر : 4 أغسطس 2012
( أول خطوة
للخروج من المتاهة ؛ أن تعترف بأنك ضللت الطريق )
قول مأثور
تعنى الشيفونية أو الشوفينية فى المصطلح السياسى :
المغالاة فى حب الوطن . وقد تم تعميم دلالة المصطلح لتمتد فتشمل صور المغالاة فى
أى شئ .
ولقد تبنى فصيل من الثوار أسلوب الشيفونية الثورية ؛
انطلاقاً من رغبتهم المخلصة فى انتصار الثورة وإقصاء النظام السابق عن السلطة بلا
رجعة .
وبالتالى أدت المغالاة فى حب الثورة والخوف عليها ؛
إلى نمو حالة من الشيفونية الثورية التى تتعامى عن كل الآخطار ؛ ولا ترى إلا خطراً
واحداً ساحقاً ماحقاً يستعد للانقضاض على الثورة ؛ ومن ثم لا مفر من التحالف مع أى
فصيل مهما كان معادياً للديموقراطية ؛ طالما يجهر هذا الفصيل بعدائه للعدو المشترك
.
ولعل مكمن الخطورة فى حالة الشيفونية الثورية ؛
أنها تنحدر بمن يتبناها إلى مستوى المراهقة السياسية ؛ بحيث يتشابه رد الفعل
السياسى مع رد الفعل السلوكى للمراهق عند مواجهته لأى مشكلة اجتماعية . فالمراهقة
كمرحلة عمرية تعنى فى الغالب عدم القدرة على إدراك الجوانب المتعددة لأى مشكلة
نتيجة عدم وجود رصيد من الخبرات السابقة ؛ والاقتصار على إدراك جانب واحد والإصرار
على التعامل معه دون غيره .
وللأسف فإن هذا الفصيل من الثوار ؛ قد أعمته كراهية
النظام السابق عن إدراك حافة الهاوية التى يُقاد إليها الوطن والثورة ؛ من جراء منح
الدعم والمساندة لتيار الإسلام السياسى الذى هو بحكم المرجعية الفكرية والسوابق
التاريخية وعدد من التجارب السياسية المعاصرة مُعادٍ للديموقراطية .
ولقد أدت الشيفونية تاريخياً إلى أن يتورط مناضل
سياسى ـ أثناء شبابه ـ كالرئيس الراحل السادات ؛ فى تأييد دول المحور النازية
الفاشية فى صراعها بالحرب العالمية الثانية ضد دول التحالف الديموقراطية . كما
تورط جانب كبير من القوى الثورية المصرية خلال تلك الفترة التاريخية فى نفس المأزق
؛ انطلاقاً من كراهية العدو الإنجليزى المحتل .
ولعل التاريخ يعيد نفسه عندما نرى رموزاً وقوى من
الحركة الثورية المصرية ؛ مثل حركة 6 إبريل ودكتور علاء الأسوانى والكاتب بلال فضل
والإعلامى حمدى قنديل وغيرهم ؛ تعميهم كراهية المجلس العسكرى والنظام السابق عن
الانتباه لمدى الخطر الذى يدفعون إليه الوطن نتيجة دعمهم لتيار الاسلام السياسى فى
صراعه المعلن المستتر مع المجلس العسكرى .
ولقد أصابتنى الدهشة عندما قرأت مقال الدكتور علاء
الأسوانى : " هل نكرر خطأ السنهورى ؟ " ؛ حيث يرى أن موقف غير الداعمين لتوجهات
وقرارات الرئيس محمد مرسى ؛ يشبه موقف السنهورى باشا عام 1952 فى دعمه للعسكر على
حساب القوى المدنية انطلاقاً من كراهيته لحزب الوفد .
وسبب اندهاشى أن الدكتور علاء الأسوانى استسلم
لمشاعر الشيفونية الثورية ؛ فأدرك بُعداً واحداً من المسألة وهو البُعد الشكلى ؛
بينما غاب عنه البعد الموضوعى. فالدكتور علاء وجد أن هناك عسكر عام 1952 وعسكر عام
2011 ؛ وبالتالى فمن سيساند العسكر فى وقتنا الحالى سيشبه من ساندهم فى الماضى . وذلك
رغم أن العسكر عام 52 كانوا يمثلون النظام الجديد ؛ بينما العسكر الآن يمثلون
النظام القديم . ولهذا فعكس ما يقول الأسوانى هو الصحيح ؛ بمعنى أن الذى يشبه
السنهورى باشا هو من يسير فى ذات الطريق الذى يسير فيه الدكتور علاء الأسوانى ؛
طريق الشيفونية الثورية . فقد ساند السنهورى باشا أعداء الديموقراطية ( العسكر )
لكراهيته العمياء للنظام القديم الذى كان يمثله وقتها التيار المدنى ( الوفد عام
52 ) . بينما حالياً يساند علاء الأسوانى أعداء الديموقراطية ( المتأسلمين ) لكراهيته
للنظام القديم الذى يمثله العسكر !!!
وبالطبع ؛ من الخطأ مساندة العسكر أعداء الديموقراطية
؛ مثلما من الخطأ بنفس الدرجة مساندة المتأسلمين ـ لأنهم أيضاً ـ أعداء
للديموقراطية .
وأتفق تماماً مع مقولة علاء الأسوانى التى يقرر
فيها ما نصه : " يجب أن ندافع عن مبادئنا حتى لو استفاد من تحقيقها ألد
خصومنا السياسيين " .
ولكن الخصومة السياسية شئ ؛ والخصومة على مستوى
المرجعية الفكرية والعقدية شئ آخر ؛ لأن الخصوم هنا لا يعترفون أصلاً بمبادئنا .
بمعنى أنهم على مستوى المرجعية الفكرية لا يعترفون بالديموقراطية ؛ ويعتبرونها
مجرد جسر أو كوبرى للوصول إلى مقاعد السلطة ؛ ثم يتم تدمير هذا الجسر أو تحصينه
بنقاط تفتيش لمنع أى فصيل آخر من العبور عليه .
وبالتالى فأى مبادئ التى يتحدث عنها الأسوانى ؛
المنطق هنا مغلوط ومعكوس ؛ وهو يشبه التمسك بكلمة شرف مع شخص مسجل خطر !!!
من الشرف أن أتمسك بمبادئى ليستفيد منها خصمى
السياسى الذى يؤمن بالديموقراطية بما تعنيه من تداول سلمى للسلطة وإيمان بحرية
الاعتقاد والتعبير . ولكن أليس من الاستخفاف التعامل بهذه المبادئ مع فصيل لا يؤمن
بها أصلاً . كيف أقبل التعامل بعُملة أعلم أن الطرف الآخر سيلغيها بمجرد الانتهاء
من الصفقة !!
أيضا يقرر علاء الأسوانى ما نصه : " الثورة
المصرية .. قامت بالأساس من أجل إنهاء الحكم العسكرى وإعادة السلطة إلى الشعب
صاحبها الشرعى " .
ولعل هذه المقولة توضح كيف تؤدى الشيفونية الثورية
إلى فقدان الاتجاه أو نسيان الهدف من الثورة . لأن الثورة المصرية قامت من أجل هدف
واضح هو بناء نظام ديموقراطى ؛ وقصر هدف الثورة على إنهاء الحكم العسكرى حتى وإن
حل محله الحكم الدينى لن يؤدى أبداً الى إعادة السلطة الى الشعب ؛ بل سيؤدى إلى غصب
السلطة واختطاف الشعب كرهينة فى قبضة المتأسلمين لعشرات من السنين القادمة ..
وبالتالى كيف إذن ستعود السلطة إلى الشعب صاحبها الشرعى ؟؟؟؟
وبالطبع ؛ لا يعنى كلامى الدعوة إلى تأبط ذراع
المجلس العسكرى ؛ فى مواجهة المتأسلمين . وإنما يعنى التحريض على أن يكون المجهود
الذى يبذله علاء الأسوانى ـ ومن هم معه ـ موجهاً لخدمة التيار المدنى ؛ ومد الجسور
بين جزره المشتتة والمتفرقة . وبدلاً من تورط صفوة رموز ذلك التيار فى مشاحنات
عبثية لتمزيق ملابس بعضهم البعض ؛ عليهم ـ وفى مقدمتهم علاء الأسوانى بقلمه واسمه
وحضوره الإعلامى والعالمى ـ أن يحشدوا جهدهم من أجل منع تفتت ذلك التيار أكثر من
ذلك ؛ لأن هذا لا يصب إلا فى مصلحة تيار المتأسلمين الذى يمثل أكبر خطر على التحول
الديموقراطى فى مصر .
ولهذا ؛ على كل القوى التى تدعم التيار المدنى أن
توجه بوصلة نضالها لخدمة هدف واحد ؛ هو دفع كل ممثلى هذا التيار للاتحاد تحت مظلة
واحدة لكشف عداء العسكر والإخوان وباقى المتأسلمين للديموقراطية ؛ وخوض الانتخابات
البرلمانية القادمة تحت هذه المظلة المدنية الواحدة بدعم مالى كبير من عدد من رجال
الأعمال المؤمنين بالدولة المدنية الديموقراطية ؛ لمواجهة التمويل الخرافى الذى
يصب فى حِجر تيار الإسلام السياسى ؛ والثروات الطائلة المنهوبة الموجودة فى حوزة
رموز النظام السابق .
أحترم من وصفتهم بانتهاج الشيفونية الثورية ؛ لإننى
أعرف مدى إخلاصهم للثورة ؛ ولكننى اختلف معهم بنفس الدرجة من أجل مصر ومن أجل
الثورة .
كما أحترم علاء الأسوانى ؛ وأتعامل معه كرمز ساطع
من رموز الثورة . ولكن بعض الثورات يقتلها أبناؤها من حيث يريدون الدفاع عنها .
ولذلك أتوجه بالرجاء إلى علاء الأسوانى وكل من
يسيروا معه ؛ وأناشدهم بأن ينفضوا أيديهم من الانشغال بدعم تيار الإسلام السياسى
أو الإغراق فى كراهية المجلس العسكرى ؛ وأن يحشدوا كل جهودهم من أجل نصرة التيار
المدنى حتى لا يلتبس الأمر على البسطاء ؛ ويرى الناس الألوان واضحة دون زغللة (
هذا متأسلم .. وهذا فلول .. وهذا ثورى ) ؛ وإلا فإن الاستمرار على نهج الشيفونية
الثورية لن يمهد الطريق إلا لألد أعداء الديموقراطية ....
*****
دكتور / محمد
محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق